الزجاج
تعريف الزجاج
مادة عديمة اللون تصنع أساسا من السيليكا المصهور في درجات حرارة عالية مع حمض البوريك أو الفوسفات. والزجاج يوجد في الطبيعة كما يوجد أيضا في المواد البركانية التي تسمى الزجاج البركاني أو المواد التي تنشأ من النيازك. وليس الزجاج صلبا ولا سائلا وإنما يكون في حالة خاصة تظهر فيها جزيئاته بشكل عشوائي، ولكن بحيث يوجد تماسك كاف لإحداث اتحاد كيميائي بينها. وعندما يتم تبريد الزجاج يصل إلى حالته الصلبة ولكن بدون تبلور، ومع تعريضه للحرارة يتحول الزجاج إلى سائل. وعادة ما يكون الزجاج شفافا ولكنه قد يكون غير شفاف أو نصف شفاف أيضا، ويختلف لونه تبعا لمكوناته.
ويكون الزجاج المصهور كاللدائن بحيث يمكن تشكيله باستخدام عدة تقنيات. ومن الممكن تقطيع الزجاج عندما يكون باردا. وفي درجات الحرارة المنخفضة يكون الزجاج هشا وينكسر. ولمثل هذه المواد الطبيعية كالزجاج البركاني والتيكتيت مكونات وخصائص تشبه الزجاج الصناعي.
والمكونات الأساسية للزجاج هي السيليكا المشتقة من الرمل والصوان والكوارتز. وتصهر السيليكا في درجات حرارة عالية جدا لإنتاج زجاج السيليكا المصهور. ويتم إنتاج أنواع مختلفة من الزجاج باتحاد السيليكا مع مواد خام أخرى بنسب مختلفة. وهناك مركبات قلوية مثل كربونات الصوديوم وكربونات البوتاسيوم تقلل من درجة حرارة الصهر ولزوجة السيليكا. وينصهر الزجاج عادة عند درجة حرارة عالية ولا يتمدد أو ينكمش بدرجة كبيرة مع تغير درجات الحرارة، ومن ثم يكون مناسبا لإنتاج الأدوات التي تستخدم في المعامل والأشياء التي تكون عرضة للصدمات الحرارية مثل مرايا التليسكوب. ويعتبر الزجاج موصلا رديئا لكل من الحرارة والكهرباء ومن ثم فإنه مفيد للعوازل الكهربية والحرارية.
لمحة تاريخية
يعود تاريخ صناعة الزجاج إلى عام 2000 قبل الميلاد. ومنذ ذلك الحين، دخل الزجاج في أغراض عديدة من حياة الإنسان اليومية. فتم استخدامه في صناعة الآنية المفيدة والمواد الزخرفية ومواد الزينة بما في ذلك المجوهرات. كما كان له تطبيقاته الصناعية والمعمارية.بالاضافة الى استعمال الزجاج فى صنع زجاج النوافذ والابواب ولقد كانت أقدم المواد الزجاجية عبارة عن خرزات حيث لم يتم التوصل إلى الآنية المجوفة حتى عام 1500 قبل الميلاد.
ويعتبر الصناع الآسيويون هم أول من أرسى صناعة الزجاج ، ومنهم انتقلت الصناعة إلى مصر حيث ترجع أول آنية زجاجية إلى حكم تحتمس الثالث (1504-1450 قبل الميلاد). وقد ظلت صناعة الزجاج منتعشة في مصر حتى حوالي عام 1200 قبل الميلاد ثم توقفت فعليا لعدة قرون من الزمان. وفي القرن التاسع قبل الميلاد، ظهرت كل من سوريا والعراق كمراكز لصناعة الزجاج ، وامتدت الصناعة عبر منطقة البحر المتوسط. وفي العصر الإغريقي، اضطلعت مصر بدور رئيسي في تزويد القصور الملكية بالزجاج الفخم حيث كان يصنع في الإسكندرية . وفي القرن الأول قبل الميلاد، تم التوصل إلى عملية نفخ الزجاج في سواحل فينيقيا. وفي العصر الروماني، كانت صناعة الزجاج منتشرة في مناطق متعددة من الإمبراطورية الرومانية.
وابتكر المسلمون التزجيج، وما زالت روائع من أعمالهم في التزجيج باقية في واجهات المساجد والجوامع، وكذلك في الأبنية الأثرية إضافة إلى ما هو محفوظ في المتاحف العالمية.
ولقد استخدمت الأصباغ المعدنية في هذه الصناعة الفنية، فلم تتأثر بالتقلبات الجوية، ولم تؤثر فيها حرارة الشمس المحرقة طوال مئات السنين الماضية.
وعرف علماء المسلمين البللور وهو الزجاج الممتاز (الكريستال بحسب التعريف الكيماوي الحديث) الذي يحتوي على نسب مختلفة من أكاسيد الرصاص ، وصنعوه بإتقان، وعرفوا منه نوعا طبيعيا. وما زال يستعمل - كما استعمله المسلمون من قبل- في صناعة الأقداح والأواني والثريات، وكذلك في صناعة الخواتم وأدوات الزينة وكثير من الأدوات المنزلية. وصنعوا منه نظارات العيون، وكانوا يسمونها منظرة ،ومن العالم الإسلامي انتقلت صناعة الزجاج إلى أوروبا عندما أنشأ فنيون مصريون مصنعين للزجاج في اليونان، ولكن المصنعين حطما في عام 544 هـ / 1147 م، عندما اجتاح النورماديون مدينتهم ففر الفنيون إلى الغرب، مما ساعد على النهضة الغربية في مجال صناعة الزجاج في العصور الوسطى. كما فر أيضا بعض الفنيين من دمشق إلى الغرب إبان اجتياح المغول للعالم الإسلامي. هذا بالإضافة إلى التقنيات الخاصة بصناعة الزجاج التي أخذها الأسرى الأوربيون من المسلمين أثناء الحروب الصليبية. وقد تجمعت أسرار هذه الصناعة مع الفنيين في فينسيا واحتُكرت صناعة الزجاج في أوروبا حتى القرن السابع عشر عندما علمت فرنسا بالتقنيات المطلوبة وأسرارها، وانتقلت إليها صناعة الزجاج وأصبحت أهم مراكزها في العالم
![]() |
اول شكل زجاجى |
صناعة الزجاج عند المسلمين
اعتنى المسلمون في العصور الوسطى بصناعة الزجاج وطوروها؛ وذلك بعدما تعلموا طرق صناعتها من البلدان التي فتحوها، مثل مصر والشام، والعراق، وإيران، وكان ذلك لحاجتهم إلى الأواني الزجاجية التي تستخدم في العطور، والعقاقير، والإنارة، والشرب، وغيرها.
ولقد صنع المسلمون القدامى أنواعًا كثيرة من الأواني الزجاجية؛ فوصلتنا هذه المجموعة المختلفة الأشكال التي ترجع إلى القرن الثاني أو الثالث الهجري. هذه آنية زجاجية ترجع إلى القرن الثالث الهجري، وهذا الإبريق الزجاجي المصنوع بالطريقة الرومانية يرجع إلى القرن الثاني الهجري عصر الدولة العباسية، أما هذا القدر فقد زخرف بطريقة "الإضافة" في مصر الفاطمية خلال القرن الخامس الهجري، وهذا إبريق يرجع إلى القرن الثالث الهجري من الدولة العباسية، كما وصلتنا هذه المزهرية عصر المماليك. وقد زودت فوهتها البديعة الصنع بخيوط زجاجية ملونة، أما هذه القنينة فذات بدن مضلع ونفّذت بالقالب وزخرفت رقبتها بإضافة خيوط زجاجية وهي من القرن الثامن الهجري.
وهذا جزء من إناء فاطمي العصر، وقد زُخرف بالكتابة الكوفية مع الكائنات المتقابلة ويرجع إلى القرن الخامس الهجري، أما هذه القنينة وتلك المكحلة فمن البلور الصخري، وقد زخرفتا بالقطع والشطف فيمصر الفاطمية خلال القرن الخامس الهجري. والبلور هو زجاج مضافا إلى خلطته عناصر ثقيلة مثل الكوبلت ويتميز بكثافة عالية.
وهذه بعض المكاييل الزجاجية المخصصة للعطور أو السوائل الطبية من القرن الثاني الهجري من عهد الأمويين، كما صنع العرب المسلمون الموازين والصِنَج من الزجاج أيضًا، فهذا ثقل ميزان يوازي رطلاً ويرجع إلى عام 129 للهجرة. وهذا مثقال فلس من العصر الأموي المبكر، أما هذه الصِنَج فمن عهد "العزيز بالله" الخليفة الفاطمي، وهذا الثقل من عهد السلطان قايتباي عام 893 للهجرة.
كما برع المسلمون في صنع المشكاوات؛ وذلك لإضاءة المساجد والمنازل وخلافه، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم: {اللهُ نُورُ السَّمَأوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} [النور: 35]، وقد وصلنا عدد من المشكاوات المملوكية العصر المموهة بالمينا والمزخرفة بكتابة النسخ وكذلك عليها زخرفة نباتات. وهذه المشكاة باسم السلطان "حسن" وقد موهت بالمينا، وزخرفت بكتابات نسخية قرآنية وزخرفة نباتية غاية في الإبداع. وهذه أيضًا من عهد السلطان "حسن"، وقد زخرفت فقط بزخارف نباتية دقيقة بمهارة وإتقان.
أما هذه المشكاة فباسم الأمير "شايخو" ساقي السلطان المملوكي الناصر "محمد بن قلاوون"، وتضم مع الكتابة النسخية الجميلة "رنك الكأس" الذي يشير إلى وظيفة الساقي؛ حيث تعتبر "الرنوك الوظيفية" سمة من سمات العصر المملوكي.
واستخدم العرب المسلمون الزجاج في زخرفة النوافذ أيضًا؛ حيث برعوا في صناعة الزجاج المعشق في الجص. وتمر هذه الصناعة بعدة مراحل؛ بداية برسم الوحدات الزخرفية على الجص، ثم تبدأ مرحلة التفريغ أي التخريم لهذه الوحدات المراد تعشيقها بالزجاج. وأخيرًا تبدأ مرحلة تركيب القطع الزجاجية المختلفة الأحجام والألوان من الخلف وتثبت بالجص السائل.
وما زالت هذه الطريقة المتوارثة تنتج لنا لوحات زخرفية متنوعة الأشكال تُشع من الضوء حالة من البهجة والإبهار، ويبدو ذلك جليا في نوافذ العمائر الإسلامية المختلفة. كما استخدمتها الكنائس في مصر أيضا للتزيين وصناعة النوافذ الجميلة الملونة. كما استخدم المسلمون الزجاج في عمل زخارف الفسيفساء؛ ويظهر ذلك بوضوح في الجامع الأموي بدمشق الذي تضم زخارفه مناظر طبيعية بديعة، وتعتبر فسيفساء هذاالمسجد أقدم نموذج للفسيفساء الزجاجية الإسلامية بعد قبة الصخرة.
أظهرت عمليات الحفر في دلتا وادي النيل أن مصر القديمة كانت مصنّعة كبيرة للزجاجيات قبل 3000 عام.
وتناقض هذه الأبحاث نظرية تقول إن المصريين كانوا يستحضرون الزجاج من بلاد ما بين النهرين.
وقد تثبّت فريق بريطاني من أن المصريين كانوا يُصنّعون الزجاج من لا شيء، أي أنهم كانوا يصنعونه منذ المرحلة البدائية.
وكان أقدم دليل على صناعة الزجاج يعود إلى عام 1550 قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين. وكان الظن الشائع يعتبر أن صناعة الزجاج انطلقت من هذه البلاد وانتشرت في مصر.
وتأتي الاكتشافات الجديدة نتيجة دراسات أجراها أدغار بوش وتيلو ريهرين من جامعة لندن، حول بقايا أثرية لمصنع زجاج يعود للقرن الثالث عشر قبل الميلاد.
وقال ريهرين :" لدينا عدد قليل من النصوص التي تُعتبر براهين مكتوبة على أن مصر كانت تستورد زجاجها من الخارج. وقد تأكدنا اليوم بشكل حاسم أن مصر كانت تصنع زجاجها الخاص إضافة إلى استراد كميات من الخارج."
وتشير أدوات المصنع الذي اكتُشف إلى أن المواد الأولية كانت تُحمّى بشكل جزئي داخل أوعية قد تكون في الأصل جرّات للجعة، تُكسر ثم تُغسل.
وفي الجزء الثاني من العملية، كان يُعمد إلى تلوين الزجاج وتحميته ليتحول إلى أشكال مستديرة تُنقل إلى مشاغل أخرى.
هناك، يخضع الزجاج مجددا للنار وتُصنع منه أغراض للزينة.
وعلى الأرجح كان يتم كسر الأوعية لاستخراج الزجاج من داخلها. وغالبا ما كانت تُستخدم الأجسام المصنوعة كقوارير للعطور أو لسوائل أخرى، وكان ثمنها باهظا جدا.
وكانت صناعة الزجاج الأحمر عملية صعبة وتتطلب مهارات عالية جداً، وقد يكون المصنع الذي اكُتشف -والذي كان يحتوي على 37 وعاء أحمر- متخصص في صناعة هذا اللون تحديدا.
وقال ريهرين: "أقدّر أن القوتين العظيمتين في تلك المرحلة وهما مصر وبلاد ما بين النهرين، كانتا تتبادلان الهدايا الزجاجية المتنوعة الألوان، كعربون صداقة
1 التعليقات:
السلام عليكم...اريد كتب عن الزجاج وتديره لو سمحتم..مع الشكر
إرسال تعليق